تراه راسخا حانيا على دمشق المسترخية على كتفيه ومازال عنقها يشرئب حتى يكاد يطال رأسه يعشقها عشق الوجود الأبدي فكيف يتركها. وهاهي النجوم المتلألئة تنزل كل يوم تتناثر على مدينته المترامية حتى أطرافه فيضحكا معا ضوءا خلابا يذهب البصر. ومن يزور دمشق لابد له أن يرتقي الجبل ليلا ليشاهد دمشق في غنجها ودلالها المبهر بالزينة الذهبية الفضية الساحرة. مثل عباءة سوداء موشاه بالذهب والقصب. أخرجت من صندوق قديم وارتدت المدينة حتى تحمي سكانها من لسعة برد الصباح الباكر.
قاسيون جبل القتل والرجاء، جبل الأنبياء والكفار، بيت أبو البشر حيث جاءت الملائكة إلى آدم تعزيه بوفاة ابنه، أوى المسيح وأمه عليهما السلام يوم اضطهدهما اليهود.
أنه جبل الجوع والدم. جبل الحجارة الذي سالت دموعه الشديدة الملوحة حزنا على مقتل هابيل.قاسيون اليوم يخلع قسوة حجارته ويحتضن أشجار السرو والياسمين قاسيون يودع اليوم الجوع والحزن بحديقة من العشب الأخضر والأطفال.
- ليس من جبل ومدينة في العالم مرتبطين بإخلاص كقاسيون ودمشق يقع جبل قاسيون إلى الشمال من مدينة دمشق على ارتفاع 1200م من سطح البحر وعن دمشق قرابة 600م اختلف بمعنى قاسيون فقيل لأنه قسا على الكفار فلم يقدروا أن يأخذوا منه الأصنام وقيل لأنه قسا فلم تنبت فيه الأشجار.
- يقول أحد المؤرخين «سكن أهل دمشق هذا الجبل قبل أن يسكنوا دمشق – عاشوا فيه أجيال طويلة من الزمن حتى إذا تكاثروا وتناسلوا وارتقت معارفهم وتجاربهم هبطوا إلى السهل المنبسط أسفله فبنوا مدينتهم دمشق ولكن مدينتهم الأولى هي قاسيون ففيه نشؤوا أولا وإليه رجعوا اليوم».
-أقرب حي إلى الجبل هو الصالحية وكان في السابق على صورة قرية تتبع إلى المدينة القديمة اشتهرت سابقا بوردها وشجرها وينقل الناس أخبار عن هذه المنطقة بأنه كان في جبل الصالحية - نخل قطعة تيمورلنك يقال أن عددها اثني عشر ألف نخلة.
- وبعد أن بدأت دمشق القديمة تتوسع خارج أسوارها وتقوم أحياء جديدة مكان القديمة تجددت الصالحية وصارت من أرقى الأحياء. ومن سنة 551هـ بدأ البناء على سفح الأرض القاحلة مزدهرة بالعمران فاخرة بالقصور والأشجار والأزهار.
بعد الحديث عن الصالحية نتحدث عن حي المهاجرين الذي يتسلق الجبل بأبنيته حتى يكاد يبلغ قمته. وفي نهاية حي المهاجرين وفي الطريق القديم الذي كان يصل دمشق بيروت يوجد هناك قبة تدعى قبة السيار تطل على الربوة. تنسب القبة إلى الأمير سيار الشجاعي الذي بناها ولا تزال قائمة حتى الآن في الطريق إلى جبل قاسيون.
أما قبة النهر فبناها برقوق الصالحي نائب دمشق في عهد السلطان قاتيباي أحد سلاطين دولة الشراكسة في مصر والشام في أعلى قاسيون وكانت تسمى قبة النصر وقيل أنه وجد موضعها ذهبا كثيرا مدفونا. ولكن دكها الفرنسيون الفيشيون في أيار 1941 حينما كانوا يدافعون عن مراكزهم حول دمشق ضد الجيش الإنكليزي الزاحف من فلسطين حتى لا يتخذها هدفا.
بيت أبو البشر والأنبياء
تذكر الأساطير أنه في سفح قاسيون سكن أبو البشر آدم عليه السلام وفي أعلاه قتل قابيل أخاه هابيل ففتح الجبل فاه لفظاعة هذا العمل يريد أن يبتلع القاتل، وفيه كهف جبريل حيث جاءت الملائكة تعزيه بابنه هابيل. وجبل قاسيون نفسه معظم بين الجبال فقد كلمه الله وولد فيه إبراهيم الخليل عليه السلام ومقامه في قرية تدعى برزة وقد قيل للتعريف بشرف قاسيون "بين برزة وارزه أربعون ألف نبي".
وبرزه وأرزه قريتان شرق وغرب قاسيون وقرب الربوة في النيرب كان مسكن حنه أم مريم جدة المسيح عليه السلام والنيرب قرية مشهورة بدمشق تعرف كمنتزه تحيط بها البساتين.
وكان ينتشر في جبل قاسيون العديد من الأديرة أكثرها ما كان مهجور أشهرها دير مران الذي عرف الجبل به أحياناً ومن الأماكن المقدسة في جبل قاسيون قبر النبي ذي الكفل في كهف جبريل ومقام النبي يونس وقبر العلامة العربي محي الدين بن العربي وفيه احترس نبي الله يحيى من رجل من قوم عاد في الغار الذي تحته كذلك فعل إلياس احتراسا من ملك قومه وفيه صلى إبراهيم ولوط
وموسى وعيسى وأيوب عليهم السلام كما قيل عن الربوة إنه آوى إليها السيد المسيح وأمه العذراء كذلك من الأماكن الشهيرة في سفح قاسيون حي يقال له حي الشهداء وهي منطقة نزلها العرب منذ الفتح الإسلامي كانت تعرف باسم ازره سميت بالشهداء نسبة إلى الشهداء وهم ثلاثة أخوة قتلوا في فتح دمشق ودفنوا هناك وعمر عندهم مسجدا. وهكذا نرى أن قاسيون بما فيه من مناطق اصطياف مثل الربوة والصالحية، النيرب، كان مصيفا للملوك والأمراء وعلى جبل قاسيون بنى الخليفة المأمون مرصده الفلكي الشهير على قمته لرصد الكواكب والنجوم.
الجبل يبكي
يحوي جبل قاسيون على العديد من المغائر منها الطبيعية ومنها ما شقها الإنسان ويقال بوجود نفق عظيم أثري في قاسيون شقة التدمريون أهالي مدينة تدمر لجر مياه الشرب إلى تدمر من نبع الفيجة إبان حكم زنوبيا لتدمر وإن أشهر المغائر الطبيعية مغارة الجوعية ومغارة الدم.
- مغارة الجوعية:
تقع هذه المغارة في أعلى مقبرة الخميسيات وأسفل كهف النبي ذو الكفل الذي بنى عليه الآن مسجدا ويذكرون سبب تسميتها بالمغارة الجوعية أنه لجأ إليها أربعون نبيا خوفا من الكفار ولم يكن معهم إلا رغيف واحد فلم يزل كل واحد منهم يؤثر رفيقه عليه حتى ماتوا جميعهم من الجوع. أما مغارة الأربعين فقد سميت بهذا الاسم لأن فوقها مسجد فيه أربعون محرابا وهي تقوم في محل مرتفع يقترب من قمة الجبل. وفي زاويتها الشرقية الشمالية بارتفاع نحو متر فتحة تمثل فما كبيرا يظهر فيه اللسان والأضراس والأسنان وسقف الفم بتفاصيل متقنة وأمامها على الأرض صخرة عليها خط أحمر يمثل لون الدم وفي سقف المغارة شق صغير ينقط من الماء والأسطورة تقول: أن قابيل قتل هابيل فبكى الجبل لهول هذه الجريمة وبقيت دموعه تتقاطر وفتح فاه يريد أن يبتلع القاتل وتأخذ الزائر رهبة حينما ينظر إلى هذا المشهد حيث تظهر الحمرة على صفحة الصخرة.
وفي مغارة على الجبل ينام أهل الكهف نومتهم الأخيرة بعد أن كانوا رقدوا ثلاثمائة عام واستيقظوا ليلة واحدة بعدها ثم عادوا إلى النوم من جديد.
جبل الرجاء
اعتاد أهل دمشق إذا حبس المطر أو ارتفعت الأسعار أو جاء السلطان يصعدون إلى "موضع الدم" في الجبل فيصلون ويسألون لاعتقادهم أن الله لا يرد به سائلا فهو لديهم موضع الحاجات والمواهب، فمن أتى ذلك المكان فلا يعجز في الدعاء. وحين استسقى القوم هناك في خلافة هشام بن عبد الملك هطل الغيث بحيث أقاموا في المغارة ستة أيام لا يستطيعون دخول البلد من كثرة المطر.
ومن سنوات تحول الجبل ( الجهة الغربية) إلى حديقة جميلة القسم الأكبر منها مرج دائم الخضرة على مدار السنة والجزء الآخر تكسوه أشجار السرو الخضراء. مشكلا امتداد أخضر من غابة فتية. وفي هذه الحديقة يجد سكان دمشق ضالتهم في هذا المنتزه المرتفع حيث الهواء العليل في أكثر أيام الصيف حرارة موفرا لهم مشهد بانوراميا لمدينتهم الخالدة لا تمله العين. وتمنح الأطفال التنزه في مكان يحولونه إلى ملعب مفتوح بلهوهم ومرحهم. ولما يوفره المكان من متعة جعل بعضهم لا يغادره حتى الفجر.
قاسيون الذي طال بكاؤه وجوعه. يبتسم اليوم لزائريه ربيعا دائما وصخوره التي طال عطشها تروى كل يوم بماء لا ينقطع فنبت بين شقوقها الياسمين.
ارجو ان ينال التقرير عن جبل قاسيون على اعجابكم
مع خالص ودي واحترامي للجميع
الأحد ديسمبر 26, 2010 5:08 pm
